سورة الأنبياء - تفسير تفسير البقاعي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


ولما تبين الخلف في قولهم على كثرته وادعائهم الحكمة والبلاغة، وفعلهم على كثرتهم وزعمهم القوة والشجاعة، ثبت أن أقواله الناقضة لذلك من عند الله بما ثبت من استقامة معانيها وإحكامها، بعدما اتضح من إعجاز نظومها وحسن التئامها، فأمره أن يبين لهم ذلك بقوله: {قل إنما أنذركم} أيها الكفار {بالوحي} أي الآتي به الملك عن الله فلا قدح في شيء من نظمه ولا معناه والحال أنكم لا تسمعون- على قراءة الجماعة والحال أنك لا تسمعهم- على قراءة ابن عامر بضم الفوقانية وكسر الميم ونصب الصم خاصة، ولكنهم لما كانوا لا ينتفعون بإنذاره لتصامّهم وجعلهم أصابعهم في آذانهم وقت الإنذار عدهم صماً، وأظهر الوصف لتعليق الحكم به فقال: {ولا يسمع الصم الدعاء} أي ممن يدعوهم، أو يكون معطوفاً على ما تقديره: فإن كانت أسماعكم صحيحة سمعتم فأجبتم، ونبه بقوله: {إذا ما ينذرون} على أن المانع لهم مع الصمم كراهة الإنذار، وبالبناء للمفعول على منذر.
ولما كان المنذر لا يترك الاستعداد لما ينذر به من العذاب إلا إذا كان قوياً على دفعه. بيّن أنهم على غير ذلك فقال: {ولئن} أي لا يسمعون والحال أنه لا قوة بهم، بل إن {مستهم} أي لاقتهم أدنى ملاقاة {نفحة} أي رائحة يسيرة مرة من المرات {من عذاب ربك} المحسن إليك بنصرك عليهم {ليقولن} وقد أذهلهم أمرها عن نخوتهم. وشغلهم قدرها عن كبرهم وحميتهم: {يا ويلنا} الذي لا نرى الآن بحضرتنا غيره {إنا كنا} أي بما لنا مما هو في ثباته كالجبلات {ظالمين} أي عريقين في الظلم في إعراضنا وتصامّنا ترفقاً وتذللاً لعله يكف عنهم.
ولما بيّن ما افتتحت السورة من اقتراب الساعة بالقدرة عليه واقتضاء الحكمة له، وأن كل أحد ميت لا يستطيع شيئاً من الدفع عن نفسه فضلاً عن غيره، وختمت الآيات بإقرار الظالم بظلمه، وكانت عادة كثير من الناس الجور عند القدرة، بين أنه سبحانه بخلاف ذلك فذكر بعض ما يفعل في حساب الساعة من العدل فقال عاطفاً على قوله: {بل تأتيهم بغتة}: {ونضع} فأبرزه في مظهر العظمة إشارة إلى هوانه عنده وإن كان لكثرة الخلائق وأعمال كل منهم متعذراً عندنا {الموازين} المتعددة لتعدد الموزونات أو أنواعها. ولما كانت الموازين آلة العدل، وصفها به مبالغة فقال {القسط} أي العدل المميز للأقسام على السوية.
ولما كان الجزاء علة في وضع المقادير، عبر باللام ليشمل- مع ما يوضع فيه- ما وضع الآن لأجل الدنيوية فيه فقال: {ليوم القيامة} الذي أنتم عنه- لإعراضكم عن الذكر- غافلون. ولما جرت العادة بأن الملك قد يكون عادلاً فظلم بعض أتباعه، بين أن عظمته في إحاطة علمه وقدرته تأبى ذلك، فبنى الفعل للمجهول فقال: {فلا} أي فتسبب عن هذا الوضع أنه لا {تظلم} أي من ظالم ما {نفس شيئاً} من عملها {وإن كان} أي العمل {مثقال حبة} هذا على قراءة الجماعة بالنصب.
والتقدير على قراءة نافع بالرفع: وإن وقع أو وجد {من خردل} أو أحقر منه، وإنما مثل به لأنه غاية عندنا في القلة، وزاد في تحقيره بضمير التأنيث لإضافته إلى المؤنث فقال: {أتينا بها} بما لنا من العظمة في العلم والقدرة وجميع صفات الكمال فحاسبناه عليها، والميزان الحقيقي. ووزن الأعمال على صفة يصح وزنها معها بقدرة من لا يعجزه شيء.
ولما كان حساب الخلائق كلهم على ما صدر منهم أمراً باهراً للعقل، حقره عند عظمته فقال: {وكفى بنا} أي بما لنا من العظمة {حاسبين} أي لا يكون في الحساب أحد مثلنا، ففيه توعد من جهة أن معناه أنه لا يروج عليه شيء من خداع ولا يقبل غلطاً، ولا يضل ولا ينسى، إلى غير ذلك من كل ما يلزم منه نوع لبس أو شوب نقص، ووعد من جهة أنه لا يطلع على كل حسن فقيد وإن دق وخفي.
ولما قدم في قوله: {ما يأتيهم من ذكر من ربهم} الآية وغيره أنهم أعرضوا عن هذا الذكر تعللاً بأشياء منها طلب آيات الأولين، ونبه على إفراطهم في الجهل بما ردوا من الشرف بقوله: {لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم} ومر إلى أن ختم بالتهديد بعذابه، وأنه يحكم بالقسط، وكان كتاب موسى عليه السلام بعد القرآن أعظم الكتب السماوية، وكان أهل الكتاب قد أعرضوا عنه غير مرة على زمن موسى عليه السلام بعبادة العجل وغيره وبعد موته مع كون المرسل، به اثنان تعاضدا على إبلاغه وتقرير أحكامه بعد أن بهرا العقول بما أتيا به من الآيات التي منها- كما بين في سورة البقرة والأعراف- التصرف في العناصر الأربعة التي هي أصل الحيوان الذي بدأ الله منها خلقه. ومقصود السورة الدلالة على إعادته، ومنها ما عذب به من أعرض عن ذكر موسى وهارون عليهما السلام الذي هو ميزان العدل لما نشر من الضياء المورث للتبصرة الماحقة للظلام، فلا يقع متبعه في ظلم، وكان الحساب تفصيل الأمور ومقابلة كل منها بما يليق به، وذلك بعينه هو الفرقان، قال سبحانه بعد آية الحساب عاطفاً على {لقد أنزلنا}: {ولقد ءاتينا} أي بما لنا من العظمة {موسى وهارون} أي أخاه الذي سأل أن يشد أزره به {الفرقان} الذي تعاضدا على إبلاغه والإلزام بما دعا إليه حال لكونه مبيناً لسعادة الدارين، لا يدع لبساً في أمر من الأمور {وضياء} لا ظلام معه، فلا ظلم للمستبصر به، لأن من شأن من كان في الضياء أن لا يضع شيئاً إلا في موضعه {وذكراً} أي وعظاً وشرفاً.
ولما كان من لا ينتفع بالشيء لا يكون له منه شيء، قال: {للمتقين} أي الذين صار هذا الوصف لهم شعاراً حاملاً لهم على التذكير لما يدعو إليه الكتاب من التوحيد الذي هو أصل المراقبة؛ ثم بين التقوى بوصفهم بقوله: {الذين يخشون} أي يخافون خوفاً عظيماً {ربهم} أي المحسن إليهم بعد الإيجاد بالتربية وأنواع الإحسان {بالغيب} أي في أن يكشف لهم الحجاب {وهم من الساعة} التي نضع فيها الموازين وقد أعرض عنها الجاهلون مع كونها أعظم حامل على كل خير، مبعد من كل ضير {مشفقون} لأنهم لقيامها متحققون، وبنصب الموازين فيها عالمون.
ولما ذكر فرقان موسى عليه السلام، وكان العرب يشاهدون إظهار اليهود للتمسك به والمقاتلة على ذلك والاغتباط، حثهم على كتابهم الذي هو أشرف منه فقال: {وهذا} فأشار إليه بأداة القرب إيماء إلى سهولة تناوله عليهم {ذكر} أي عظيم، ودلهم على أنه أثبت الكتب وأكثرها فوائد بقوله: {مبارك} ودلهم على زيادة عظمته بما له من قرب الفهم والإعجاز وغيره بقوله: {أنزلناه} ثم أنكر عليهم رد ووبخهم في سياق دال على أنهم أقل من أن يجترئوا على ذلك، منبه على أنهم أولى بالمجاهدة في هذا الكتاب من أهل الكتاب في كتابهم فقال: {أفأنتم له} أي لتكونوا دون أهل الكتاب برد ما أنزل لتشريفكم عليهم وعلى غيرهم مع أنكم لا تنكرون كتابهم {منكرون} أي أنه لو أنكره غيركم لكان ينبغي لكم مناصبته، فكيف يكون الإنكار منكم؟


ولما كان مقصود السورة الدلالة على القدرة على ما استبعده العرب من إعادة الحيوان بعد كونه تراباً، وبدأ ذكر الأنبياء بمن صرفه في العناصر الأربعة كما تقدم قص ذلك من التوراة في سورتي البقرة والأعراف إشارة إلى من استبعد عليه ما جعله إلى بعض عبيده أعمى الناس، تلاه من الأنبياء بمن سخر له واحداً من تلك العناصر، مرتباً لهم على الأخف في ذلك فالأخف على سبيل الترقي، فبدأهم بذكر من سخر له عنصر النار، مع التنبيه للعرب على عماهم عن الرشد بإنكاره للشرك بعبادة الأوثان على أبيه وغيره، ودعائهم إلى التوحيد، والمجاهدة في الله على ذلك حق الجهاد، وهو أعظم آباء الرادين لهذا الذكر، والمستمسكين بالشرك تقليداً للآباء، إثباتاً للقدرة الباهرة الدالة على التوحيد الداعي إليه جميع هؤلاء الأصفياء، هذا مع مشاركته بإنزال الصحف عليه لموسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام ومشاركته لهما في الهجرة، وإذا تأملت ما في سورتي الفرقان والشعراء ازداد ما قلته وضوحاً، فإنه لما أخبر تعالى أنهم قالوا {لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} [الفرقان: 32] بدأ بقصة موسى الذي كتب له ربه في الألواح من كل شيء، وقومه مقرّون بعظمة كتابه وأنه أوتي من الآيات ما بهر العقول، وكفر به مع ذلك كثير منهم. ولما قال في الشعراء {ما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث} [الآية: 5] كما هنا، صنع كما صنع هنا من البداءة بقصة موسى عليه السلام وإيلائها ذكر إبراهيم عليه السلام فقال تعالى: {ولقد ءاتينا} بما لنا من العظمة {إبراهيم رشده} أي صلاحه وإصابته وجه الأمر واهتداءه إلى عين الصواب وأدل الدلالة وأعرف العرف وأشرف القصد الذي جلبناه عليه؛ وقال الرازي في اللوامع: والرشد قوة بعد الهداية- انتهى. وأضافة إليه إشارة إلى أنه رشد يليق به على علو مقامه وعظم شأنه لا جرم ظهر عليه أثر ذلك من بين أهل ذلك الزمان كلهم فآثر الإسلام على غيره من الملل {من قبل} أي قبل موسى وهارون عليهما السلام {وكنا} بما لنا من العظمة {به} ظاهراً وباطناً {عالمين} بأنه جبلة خير يدوم على الرشد ويترقى فيه إلى أعلى درجاته لما طبعناه عليه بعظمتنا من طبائع الخير؛ وتعليقُ {إذ قال} أي إبراهيم {لأبيه وقومه} ب {عالمين} إشارة إلى أن قوله لما كان بإذن منا ورضى لنا نصرناه- وهو وحده- على قومه كلهم، ولو لم يكن يرضينا لمنعناه منه بنصر قومه عليه وتمكين النار منه، فهو مثل ما مضى في قوله: {قل ربي يعلم القول في السماء والأرض} ومفهوم هذا القيد لا يضر لأنه لا يحصي ما ينفيه من المنطوقات، وإن شئت فعلقه ب {آياتنا}؛ ثم ذكر مقول القول في قوله منكراً عليهم محقراً لأصنامهم في أسلوب التجاهل لإثبات دعوى جهلهم بدليل: {ما هذه التماثيل} أي الصور التي صنعتموها مماثلين بها ما فيه روح، جاعلين بها ما لا يكون إلا لمن لا مثل له، وهي الأصنام {التي أنتم لها} أي لأجلها وحدها، مع كثرة ما يشابهها وما هو أفضل منها {عاكفون} أي موقعون الإقبال عليها مواظبون على ذلك، فبأي معنى استحقت منكم هذا الاختصاص، وإنما هي مثال للحي في الصورة وهو أعلى منها بالحياة التي أفاضها الله عليه.
ولما أتاهم بهذا القاصم، استأنف الخبر سبحانه عن جوابهم بقوله: {قالوا} مسوين أنفسهم بالبهائم التي تقاد ولا علم بما قيدت له: {وجدنا ءاباءنا لها} خاصة {عابدين} فاقتدينا بهم لا حجة لنا غير ذلك. ولما غلوا في الجهل غير محتشمين من إقرارهم على أنفسهم به، بالاستناد إلى محض التقليد بعد إفلاسهم من أدنى شبهة فضلاً عن الدليل، استأنف الله تعالى الإخبار عن جوابه بقوله: {قال} أي منبهاً لهم بسوط التقريع على أن الكلام مع آبائهم كالكلام معهم: {لقد كنتم} وأكد بقوله: {أنتم} لأجل صحة العطف لأن الضمير المرفوع المتصل حكمه حكم جزء الفعل، هذا مع الإشارة إلى الحكم على ظواهرهم وبواطنهم {وءاباؤكم} أي من قبلكم {في ضلال} قد أحاط بكم إحاطة الظرف بالمظروف والمسلوك بالسلك {مبين} ليس به نوع من الخفاء.


ولما لم تكن عادته مواجهة أحد بما يكره، استأنف الإخبار عنهم بما يدل عليه فقال: {قالوا} ظناً منهم أنه لم يقل ذلك على ظاهره: {أجئتنا} في هذا الكلام {بالحق} الذي يطابقه الواقع {أم أنت من اللاعبين} فظاهر كلامك غير حق {قال} بانياً على ما تقديره: ليس كلامي لعباً، بل هو جد، وهذه التماثيل ليست أرباباً {بل ربكم} الذي يستحق منكم اختصاصه بالعبادة {رب السماوات والأرض} أي مدبرهن القائم بمصالحهن {الذي فطرهن} أي أوجدهما وشق بهما ظلمة العدم، وأنتم وتماثيلكم مما فيهما من مصنوعاته أنتم تشهدون بذلك إذا رجعتم إلى عقولكم مجردة عن الهوى {وأنا على ذلكم} الأمر البين من أنه ربكم وحده فلا تجوز عبادة غيره {من الشاهدين} أي الذين يقدرون على إقامة الدليل على ما يشهدون به لأنهم لم يشهدوا إلا على ما هو عندهم مثل الشمس، لا كما فعلتم أنتم حين اضطركم السؤال إلى الضلال.
ولما أقام البرهان على إثبات الإله الحق، أتبعه البرهان على إبطال الباطل فقال: {وتالله} وهو القسم، والأصل في القسم الباء الموحدة، والواو بدل منها، والتاء بدل من الواو، وفيها- مع كونها بدلاً- زيادة على التأكيد بالتعجب: قال الأصبهاني: كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده- انتهى. وفيها أيضاً أنها تدل على رجوع التسبب باطناً، فكأنها إشارة إلى أنه بعد أن تسبب في ردهم عن عبادتها ظاهراً بما خاطبهم به، تسبب من ذلك ثانياً باطناً بإفسادها {لأكيدن} أكد لأنه مما ينكر لشدة عسره؛ والكيد: الاحتيال في الضرر {أصنامكم} أي هذه التي عكفتم عليها ناسين الذي خلقكم وإياها، أي لأفعلن بها ما يسوءكم بضرب من الحيلة.
ولما كان عزمه على إيقاع الكيد في جميع الزمان الذي يقع فيه توليهم في أيّ جزء تيسر له منه، أسقط الجارّ فقال: {بعد أن تولوا} أي توقعوا التولي عنها، وحقق مراده بقوله: {مدبرين} لأنزلكم من الدليل العقلي على تحقيق الحق إذ لم تكونوا من أهله إلى الدليل الحسي على إبطال الباطل.
ولما كانوا في غاية التعظيم لأصنامهم لرسوخ أقدامهم في الجهل، لم يقع في أوهامهم قط أن إبراهيم عليه السلام يقدم على ما قال، وعلى تقدير إقدامه الذي هو عندهم من قبيل المحال لا يقدر على ذلك، فتولوا إلى عيدهم، وقصد هو ما كان عزم عليه فشمر في إنجازه تشميراً يليق بتعليقه اليمين بالاسم الأعظم {فجعلهم} أي عقب توليهم {جذاذاً} قطعاً مهشمة مكسرة مفتتة، من الجذ وهو القطع {إلا كبيراً} واحداً {لهم} أي للأصنام أو لعبادها فإنه لم يكسر وجعل الفأس معه {لعلهم} أي أهل الضلال {إليه} وحده {يرجعون} عند إلزامه لهم بالسؤال فتقوم عليهم الحجة، إذ لو ترك غيره معه لربما زعموا أن كلاًّ يكل الكلام إلى الآخر عند السؤال لغرض من الأغراض، فلما عادوا إلى أصنامهم فوجدوها على تلك الحال علم أنه لا بد لهم عند ذلك من أمر هائل، فاستؤنف الإخبار عنه بقوله: {قالوا} أي أهل الضلال: {من فعل هذا} الفعل الفاحش {بآلهتنا} ثم استأنفوا الخبر عن الفاعل فقالوا مؤكدين لعلمهم أن ما أقامه الخليل عليه السلام على بطلانها يميل القلوب إلى اعتقاد أن هذا الفعل حق: {إنه من الظالمين} حيث وضع الإهانة في غير موضعها، فإن الآلهة حقها الإكرام، لا الإهانة والانتقام {قالوا} أي بعضهم لبعض: {سمعنا} ولم يريدوا تعظيمه مع شهرته وشهرة أبيه وعظمتهما فيهم ليجترئ عليه من لا يعرفه فنكروه بقولهم: {فتى} أي شاباً من الشبان {يذكرهم} أي بالنقص والعيب {يقال له إبراهيم} يعنون: فهو الذي يظن أنه فعله {قالوا} مسببين عن هذا كارهين لأن يأخذوه سراً فيقال: أخذ بغير بينة، وهم كفرة وهو قد خالفهم في دينهم فإلى الله المشتكى من قوم يأخذون أكابر أهل دينهم بغير بينة بل ولا ظنة {فأتوا به} إلى هنا أي إلى بيت الأصنام {على أعين الناس} أي جهرة، والناس ينظرون إليه نظراً لا خفاء معه حتى كأنه ماشٍ على أبصارهم، متمكناً منها تمكن الراكب على المركوب، وعبر بالعين عن البصر ليفهم الأكابر، ويجمع القلة لإفادة السياق الكثرة، فيفيد الأمران قلة ما، لئلا يتوهم من جمع الكثرة جميع الناس مطلقاً {لعلهم} إذا رأوه {يشهدون} أي أنه فعل بالآلهة هذا الفعل، أو أنه ذكرها بسوء، فيكون ذلك مسوغاً لأخذه بذلك، أو يشهد بفعله بعضهم، لأن الشيء إذا حضر كانت أحواله بالذكر أولى منها إذا كان غائباً، وكان هذا عين ما قصده الخليل عليه السلام أن يبين- في هذا المحفل الذي لا يوجد مثله- ما هم عليه من واضح الجهل المتضمن قلة العقل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7